الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.أخبار الطبقة الثانية من زناتة وذكر أنسابهم وشعوبهم وأوليتهم ومصائر ذلك. قد تقدم لنا في أضعاف الكلام قبل انقراض الملك من الطبقة من زناتة ما كان كل يد صنهاجة والمرابطين من بعدهم وأن عصبية أجيالهم افترقت بانقراض ملكهم ودولهم وبقي منهم بطون لم يمارسوا الملك ولا أخلقهم ترفه فأقاموا في قياطينهم بأطراف المغربين ينتجعون جانبي القفر والتل ويعطون الدول حق الطاعة وغلبوا على بقايا الأجيال الأولى من زناتة بعد أن كانوا مغلولين لهم فأصبحت لهم السورة والعزة وصارت الحاجة من الدول إلى مظاهرتهم ومسالمتهم حتى انقرضت دولة الموحدين فتطاولوا إلى الملك وضربوا فنيه مع أهلهم بسهم وكانت لهم دول نذكرها إن شاء الله تعالى وكان أكثر هذه الطبقة من بني واسين بن يصلتن إخوة مغراوة وبني يفرن ويقال إنهم من بني وانتن بنو ورسيك بن جانا إخوة مسارة وتاجرت وقد تقدم ذكر هذه الأنساب وكان من بني واسين هؤلاء ببلد قسطيلية وذكر ابن الرقيق أن أبا يزيد النكاري لما ظهر بجبل أوراس كتب إليهم بمكانهم حول توزر يأمرهم بحصارها فحاصروها سنة ثلاث وثلاثين وثلثمائة وربما كان منهم ببلد الحامة لهذا العهد ويعرفون ببي ورتاجن إحدى بطونهم وأما جمهورهم فلم يزالوا بالمغرب القتصى بين ملوية إلى جبل راشد.وذكر موسى بن أبي العافية في كتابه إلى الناصر الأموي يعرفه بحربه مع ميسور مولى أبي القاسم الشيعي ومن صار إليه من قبائل زناتة فذكر فيمن ذكر ملوية وسار من قبائل بني واسين وبني يفرن وبني يرناتن وبني ورنمت ومطماطة فذكر منهم بني واسين لأن تلك المواطن من مواطنهم قبل الملك.وفي هذه الطبقة منهم بطون: فمنهم بنو مرين وهم أكثرهم عددا وأقواهم سلطانا وملكا وأعظمهم دولة ومنهم: بنو عبد الواد تلوهم في الكثرة والقوة وبنو توجين من بعدهم كذلك هؤلاء أهل الملك من هذه الطبقة وفيها غير أهل الملك بنو راشد إخوة بني يادين كما نذكره وفيها أهل الملك أيضا من غير نسبهم بقية مغراوة بمواطنهم الأولى من وادي شلف نبضت فيهم عروق الملك بعد انقراض جيلهم الأول فتجاذبوا جبله مع أهل هذا الجيل وكانت لهم في مواطنهم دولة كما نذكره.ومن أهل هذه الطبقة كثير من بطونهم ليس لهم ملك نذكرهم الآن عند تفصيل شعوبهم وذلك أن أحياءهم جميعا تشعبت من زرجيك بن واسين فكان منهم بنو يادين بن محمد وبنو مرين بن ورتاجن فاما بنو ورتاجن فمنهم من ولد ورتاجن بن ماخوخ بن جريح بن فاتن بن بدر بن يخفت بن عبد الله ورتنيد بن المعز بن إبراهيم بن زحيك وأما بنو مرين بن ورتاجن فتعددت أفخاذهم وبطونهم كما نذكر بعد حتى كثروا سائر شعوب بنى ورتاجن وصار بنو ورتاجن معدودين في جملة أفخاذهم وشعوبهم وأما بنو يادين بن محمد فمن ولد زرجيك ولا أذكر الآن كيف يتصل نسبهم به وتشعبوا إلى شعوب كثيرة فكان منهم: بنو عبد الواد وبنو توجين وبنو مصاب وبنو زردال يحمعهم كلهم نسب يادين بن محمد وفي محمد هذا يجتمع يادين وبنو راشد ثم يحتمع محمد مع ورتاجن في زرجيك بن واسين وكانوا كلهم معروفين بين زناتة الأولى بني واسين قبل أن تعظم هذه البطون والأفخاذ وتتشعب مع الأيام وبأرض إفريقية وصحراء برقة وبلاد الزاب منهم طوائف من بقايا زناتة الأولى قبل انسياحهم إلى المغرب فمنهم بقصور غدامس على عشرة مراحل قبلة سرت وكانت مختطة منذ عهد الإسلام وهي خطة مشتملة على قصور وآطام عديدة وبعضها لبني ورتاجن وبعضها لبي واطاس من أحياء بني مرين يزعمون أن أوليتم اختطوها وهي لهذا العهد قد استبحرت في العمارة واتسعت في التمدن بما صارت محطا لركاب الحاج من السودان وقفل التجار إلى مصر والاسكندرية عند إراحتهم من قطع المفازة ذات الرمال المعرضة أمام طريقهم دون الأرياف والتلول وبابا لولوج تلك المفازة والحاج والتجر في مرجعهم ومنهم ببلد الحامة غربي بابس أمة عظيمة من بني ورتاجن وفرت منهم حاميتها واشتدت شوكتها ورحل إليها التجار بالبضائع لنفاق أسواقها وتبخر عمرانها وامتنعت لهذا العهد على من يرومها ممن يحاورها فهم لا يؤذون خراجا ولا يسامون بمغرم حتى كأنهم لا يعرفونه عزة جناب وفضل بأس ومنعة ويزعمون أن سلفهم من بني ورتاجن اختطوها ورياستهم في بيت منهم يعرفون ببنبي وشاح ولربما طال على رؤسائهم عهد الخلافة ووطأة الدولة فيتطاولون إلى التي تنكر على السوقة من اتخاذ الآلة ويرزون في زي السلطان أيام الزينة تهاونا بشعار الملك ونسيانا لمألوف الانقياد شأن جيرانهم رؤساء توزر ونفطة وسابق الغاية في هذه الضحكة هو يملول مقدم توزر.ومن بني واسين هؤلاء بقصور مصاب على خمس مراحل من جبل تيطري في القبلة لما دون الرمال على ثلاث مراحل من قصور بني ربغة في المغرب وهذا الاسم للقوم الذين اختطوها ونزلوها من شعوب بني يادين حسبا ذكرناهم الآن ووضعوها في أرض حرة على أحكام وضراب ممتنعة قي قننها وبينها وبين الأرض المحجرة المعروفة بالجمادة في سمت العرق متوسطة فيه قبالة تلك البلاد على فراسخ في ناحية القبلة وسكانها لهذا العهد شعوب بني يادين من بني عبد الواد وبني توجين ومصاب وبني زردال فيمن انفض إلى إليهم من شعوب زناتة وإن كانت شهرتها مختصة بمصاب وحالها في المباني والأغراس وتفرق الجماعات بتفرق الرياسة شبيهة بحال بني ريغة والزاب ومنهم بجبل أوراس بإفريقية طائفة من بني عبد الواد موطنوه منذ العهد القديم لأول الفتح معروفون بين ساكنيه.وقد ذكر بعض الأخبار بين أن بني عبد الواد حضروا مع عقبة بن نافع في فتح المغرب عند ايغاله في ديار المغرب وانتهائه إلى البحر المحيط بالسوس في ولايته الثانية وهي الغزاة إلى هلك فيها في منصرفه منها وأنهم أبلوا البلاء الحسن فدعا لهم وأذن في رجوعهم قبل استفهام الغزاة ولما تحيزت زناتة أمام كتمامة وصنهاجة اجتمع شعوب بني واسين هؤلاء كلهم ما بين ملوية كما ذكرناه وتشعبت أحياؤهم وبطونهم وانبسطوا في صحراء المغرب الأقصى والأوسط إلى بلاد الزاب وما إليها من صحارى إفريقية إذ لم يكن للعرب في تلك المجالات كلها مذهب ولا مسلك إلى المائة الخامسة كما سبق ذكره ولم يزالوا بتلك البلاد مشتملين لبوس العز مشيرين للانفة وكانت مكاسبهم الأنعام والماشية وابتغاؤهم الرزق من تحيف السابلة وفي ظل الرماح المشرعة وكانت لهم في محاربة الأحياء والقبائل ومنافسة الأمم والدول ومغالبة الملوك أيام ووقائع نلم بها ولم تعظم العناية باستيعابها فنأتي به والسبب في ذلك أن اللسان العربي كان غالبا لغلبة دولة العرب وظهور المئة العربية فالكتاب والخط بلغة الدولة ولسان الملك واللسان العجمي منشتر بجناحه مندرج في غماده ولم يكن لهذا الجيل من زناتة في الأحقاب القديمة ملك يحمل أهل الكتاب على العناية بتقييد أيامهم وتدوين أخبارهم ولم تكن مخالطة بينهم وبين أهل الأرياف والحضر حتى يشهدوا آثارهم لإبعادهم في القفار كما رأيت في مواطنهم وتوحشهم عن الانقياد فبقوا غفلا إلى أن درس منها الكثير ولم يصل إلينا بعد ملكهم إلا الشارد القليل يتبعه المؤرخ المضطلع في مسالكه ويتقراه في شعابه ويثيره من مكامنه وأقاموا بتلك القفار إلى أن تسنموا منها هضبات الملك على ما تصفه.
|